ودمرت حياتي أمي الحبيبة
تقول ذات الخمسة والعشرين ربيعاً ً: من قال: إن ((الأم إذا أعددتها أعدت شعباً طيب الأعراق)) فأنا أكفر بهذه المقولة، واني أرى أن من قالها إما أن يكون شاعراً مجنوناً لم يذق منها المر، بل شرب العسل بكلتا يديه، أو أنه رجل يحلم أحلام اليقظة فيتخيل أن الأمهات مثاليات في تربيتهن بنسبة 100% لهذا قال ما قال. وإن كانت أقواله تلك وأشعاره مردودة عليه جملة وتفصيلاً لأن الواقع يكذبها أما حقيقتها وجوهرها فهو البهتان بعينه بل التزوير والكذب بمعانيه والتدليس إن صح كلامي هذا.
دعوني أفصل لكم ما قلت وأوجز عندما يقتضي الإيجاز وأعرج إلى الإسهاب إذا اقتضت الضرورة فقصدي وإن كنت أريد أن أشرح وأفصل قصتي ومعاناتي كاملة وشكواي بالحياة. إلا أنني أحب أن أبين للناس أنه ليس كل ما تفعله الأم صحيحاً وصواباً يصب في مصلحة الأبناء سواء كانوا من الأولاد أو البنات، بل أرى على العكس فأحياناً تدمر الأم أبناءها سواء كان ذلك بقصد أو من دون قصد. المهم أن النتيجة واحدة هي دمار وفشل على جميع الأصعدة.
لقد ولدت وإن كانت في فمي ملعقة من الذهب كما يقولون، وإن كنت من أسرة ثرية، إلا أن هذا الثراء لا يغير من الأمر شيئاً فالإفراط في تدليل الأبناء والبنات مفسدة للأخلاق ما بعدها مفسدة. ثم إن الإفراط والتدليل ليس مقصوراً على الأسرة الثرية بل حتى الأسرة الفقيرة تفرط فيها الأم بتدليل بناتها وأولادها حتى تتسبب بخسرانهم وخسرانهن. حيث أنها تقوم بكل شيء عنهم، بل وتحمل فوق ظهرها حتى مشاكلهم ومشاكلهن، وفي قرارة نفسها تقول دعوا كل شيء لي فأنا أتحمل عنكم. وهذا في تقديري هو الخطأ الفادح الذي وقعت فيه أمي وغيرها من الأمهات اللواتي لهن عندي الاحترام والتقدير، إلا أنني أختلف معهن في أسلوب تربيتهن.
فما وعيت على هذه الدنيا وبدأت أتفهم وأفهم حتى وجدت نفسي أتمتع بدلال عجيب. بل إن لي كلمة مسموعة عند والدي وإن كنت صغيرة في السن بل أن الساعة التي أبكي بها هي الساعة التي تشعر والدتي بالذات أن الدنيا إسودت في وجهها. ورغم أني كنت صغيرة كما أسلفت وعليه فلا أتذكر يوماً أني طلبت شيئاً إلا ووجدته أمامي في اليوم نفسه ومع هذا ومع كل ما جرى فإنني ألتمس لوالدتي العذر في ما تقدم منها، ولو بقدر معقول ولكن عندما كبرت كان يجب عليها أن تحملني شيئاً من المسؤولية وتتركني أعتمد على نفسي في حياتي ولو شيئاً قليلاً. ولكن والدتي هداها الله كرست حياتها لي وهذا هو الخطأ الكبير الذي دخلت هي فيه وأدخلتني معها، فلما كبرت زادت في تدليلي، وعدم تركي أعتمد على نفسي حتى في المذاكرة وحل الواجبات المنزلية. فلقد كانت تحاول أن تساعدني بها بل لم يكن لديها مانع أن تكتب عني الواجبات كلها، وليت الأمر توقف عند هذا الحد، فأنا أقسم بالله العظيم أني لو قلت لها أطعميني بيدك، لما تأخرت ولو لحظة واحدة، بل حتى لو قلت لها تعالي يا أمي وألبسيني ثيابي وملابسي لهبت وهرولت من مكانها لتفعل ذلك. فما تركت لي هذه الأم في الحياة من عمل فهي تقوم مقام يدي وقدمي فهي تدافع عني عند جميع الأهل والأقارب والأصدقاء، وتوهمهم بل وتجبرهم على الاعتقاد بأني على صواب. إلى أن تصورت وصدقت أن كل شيء أفعله هو الصواب بعينه، وأن من يخطئني ولو بأمر بسيط وصغير أنظر إليه باستغراب وباشمئزاز أحياناً، حيث كنت تلك الفتاة المدللة التي لم تتعود أن يخطئها أحد في بيتها. وهكذا نشأت على هذه التربية والطريقة التي عاملتني بها والدتي حيث ظنت أنها الطريقة المثلى في التربية، ولم تفكر يوماً أن اعتماد الأبناء والبنات على أنفسهم، هو السعادة للآباء. بل إن ثقتهم أي ((الأبناء)) في أنفسهم قمة التربية ولكن للأسف الشديد فتلك أمور لم تكن تدور في عقل والدتي لا من قريب أو من بعيد.
لقد حاولت أن أصدها وأنهاها، بل ونهيتها مرات ومرات، وأخبرتها بصريح العبارة أن طريقتها ومعاملتها لي بل وحتى تربيتها خطأ، في خطأ وأن الصواب في أن تتركني أعتمد على نفسي في حياتي كلها، وأنه ليس لها إلا النتائج. ولكنها للأسف الشديد كانت تقول: ما زلت صغيرة ويجب أن أساعدك فأنا أمك وعلى هذا الأساس لم يجد إصراري على أن تتركني وتدع حياتي شيئاً أن أقول الحقيقة فلقد كنت أشاركها بالخطأ ذلك أني لم أفكر في المستقبل، وفي الحياة العملية، ولم أتصور أني سأصل إلى طريق مسدود، وأن تربية أمي لي وإفراطها في تدليلي هو السبب بل سيكون وبالاً علي ونكسة وفشلاً. ولكن قد فات الأوان، وتغلغلت تربيتها في كياني ومشاعري ودمي، فلا أستطيع التخلص منها أو أن أفعل شيئاً حيالهما.
لقد تخطيت مرحلة الثانوية بنجاح، ودخلت الجامعة، وأنهيت دراستي منها ولم يبق إلا الوظيفة والزواج. وفعلاً وصلت الأولى وهي وظيفة مرموقة في إحدى الوزارات الحكومية. أما الثانية فقد تأخرت بسبب النصيب كما يقولون. لكني كنت واثقة أن ابن الحلال سيطرق يوماً باب بيتنا خاطباً يطلب يدي للزواج فهذه هي سنة الحياة وما على الفتاة إلا أن تصبر إلى أن يأتيها نصيبها.
لقد باشرت العمل ودخلت الوزارة ذات يوم، وأنا الفتاة الثرية المدللة، التي لم يؤنبها أو يخطئها أحد من قبل قط. وكانت بداية دوامي الساعة التاسعة صباحاً بعد بداية العمل الرسمي بساعة ونصف الساعة. فكتبوا اسمي في ورقة خارجية مع المتأخرين والمتأخرات من الموظفين والموظفات، واستدعاني في ذلك اليوم المسؤول عني ونصحني بضرورة التقيد بموعد الدوام ثم التمس لي العذر لأنها أول مرة ولكن بعد ذلك تكرر مني التأخير مرات ومرات، فلم يجد المسؤول مناصاً من كتابة تقرير عني. قال فيه: إني لا أصلح للعمل فأنا كثيرة التأخير والغياب وفوق هذا عندما يوكل لي عمل لا أنجزه وهكذا جلست في البيت وحيدة، وكانت هذه هي الضربة الأولى التي جاءتني فوق رأسي حيث كنت وكما أسلفت إنسانة مدللة لا تعبأ بشيء أبداً.
لقد هونت والدتي الأمر علي وقالت: اصبري. فصبرت ولم تمض إلا بضعة أشهر إلا وجاءني النصيب فتزوجت ودخلت القفص الذهبي كما يقولون وقد كنت أتمناه أن يكون كذلك لولا ما عودتني عليه والدتي حيث كنت إنسانة اتكالية بمعنى الكلمة لا تحسن عمل شيء ولا أقصد هنا الواجبات المنزلية فقط ، ولكن حتى الحديث. كنت أتمنى أن يتحدث عني زوجي فهل بعد هذه الاتكالية من شيء؟
أربع وعشرون شهراً مرت وزوجي يتحمل إنسانة جسمها كبير وعقلها صغير إنسانة مدللة عديمة الثقة في نفسها، اتكالية، تحاول دائماً أن تتسيد على من حولها وتأمرهم. إنسانة متسلطة على من حولها تطلب كل شيء ولا تقدم شيئاً إلى أن طفح الكيل بالزوج. فقال: لم ينفع الإمساك بمعروف فلا بأس من التسريح بإحسان. وهكذا فشلت حياتي وللمرة الثانية بسبب إفراط أمي في تدليلي.
والآن هذه هي قصتي وتلك هي رسالتي لكل أم في الخليج، وأقولها لهن بصراحة: إياكن والإفراط في تدليل بناتكن وعودنهن أن يعتمدن على أنفسهن في حياتهن، وإلا فإن الفشل سيكون من نصيبهن في الحياة. فهذه هي قصتي، فاعتبرن منها أيتها الأمهات قبل فوات الأوان. فالفشل في الحياة طعمه مر ومذاقه علقم، وقد ينتهي ويتلاشى إن حاولت المرأة ترتيب أوراقها من جديد، ولكن آثار الإفراط في التدليل من المستحيل أن تخبو جذوتها داخل القلب وتختفي وتتلاشى لأنه يسري سريان الدم في العروق(1) .
ـــــــــــــــــ
5 ـ بعت نفسي مرتين
تقول هذه المرأة:
كنت في الخامسة عشرة من عمري عندما تقدم لخطبتي رجل عجوز في الثمانين من العمر. كان أخي الوحيد يعمل لديه، حدثني أخي عنه وعن ثرائه وكيف أنني سأعيش عيشة الملوك إن تزوجته. لقد اعتنى بي أخي وتحمل مسؤوليتي عندما توفى والدي وحرم نفسه من متع كثيرة من أجل أن يبقى معي طوال الوقت ويرعاني، كنت أفكر بأن أخلصه من مسؤوليتي ليعيش حياته كما يريد ويتمتع بشبابه بعيداً عن مسؤوليتي، لذلك فقد اتخذت قراري بنفسي فوافقت على الارتباط بذلك العجوز وقلت في نفسي: سنوات قليلة وسأصبح أرملة ثرية وسأبدأ حياتي من جديد.
كانت هذه هي الصفقة الخاسرة الأولى التي قبلت بها في حياتي، فبعد أن تم الزواج اكتشفت بأن هذا العجوز الغني بخيل إلى حد كبير. وأنني حكمت على نفسي بالعيش سجينة إحدى الغرف في بيته الكبير مع أولاده الذين لم أستطع يوماً حصر عددهم وقد كانوا حصيلة زيجات وطلاقات متعددة لهذا الرجل، لم يبق على ذمته سوى عجوز واحدة هي ابنة عمه التي تزوجها في أول حياته، وقد امتنعت من الهرب من بيته بسبب إصابتها بشلل أقعدها مجبرة في منزله، وهي لا تملك سوى لساناً طويلاً كلسان الأفعى تلسع به من يقترب من جحرها.
حملت بطفلي الوحيد بعد سنة واحدة من الزواج، وكان هذا الحمل هو ما دفعني للاحتمال والصبر وعدم الاعتراض على حياتي التعيسة الكئيبة التي عشتها في ذلك المنزل، والسبب الآخر هو أن أخي قد وجد عملاً في مكان بعيد وتزوج هناك واستقر، ولا أريد أن أنكد عليه حياته بعد أن تحرر من مسؤوليتي والتفت إلى نفسه.
كنت أدعو ربي ليلاً ونهاراً بأن يخلصني من هذا العجوز وأن يختاره إلى جواره لكي أنعم ببعض الإرث الذي سنحصل عليه أنا ووليدي. أجمل أيام عمري ضاعت وأنا أعيش بحزن وألم وحسرة منتظرة أن يتحقق أملي الوحيد بأن لا أخرج من هذه الصفقة بخسارة كاملة، وأن أرث المال الذي سيعوضني عن سعادتي وشبابي الذي أفنيته مع هذا العجوز.
طال انتظاري ومرت السنين ولم يتحقق ذلك الأمل وأصبح العجوز أكثر شراسة وبخلاً. بلغ ابني سن المدرسة وهو يحتاج إلى مصاريف لكي يبدو أمام زملائه بصورة جيدة. لذلك قررت أن أعمل لأعيل ولدي، رفض العجوز تلك الفكرة فطالبته بالطلاق لأتحرر من سجني وطوقي البغيض، فعلت المستحيل ولكن دون جدوى، وقد ساعدني أخي كثيراً بعد أن شعر بأنه المسؤول عما حدث لي، ولكن ذلك العجوز رفض أن يطلقني. وكلما حاولت أن أعمل في مكان ما، فإنه يستغل نفوذه لطردي من العمل. بعد أن أحسست بأنني وابني أصبحنا نشكل عبئاً على عائلة أخي، وبأنه لا فائدة من العناد رضيت بالعودة لزوجي بعد أن وعدني باستئجار مسكن مستقل لي، بعيداً عن ذلك المنزل الكريه، الذي لم أجد فيه يوماً أية خصوصية أو راحة من أعين الفضول التي يتمتع بها أبناؤه وبناته العديدون.
استمر الحال هكذا حتى وصلت إلى سن الثلاثين، عندها تحقق لي ما أردت وتوفي العجوز بعد أن أستهلك خمس عشرة سنة من سنوات عمري التي عشتها تحت القهر والحرمان المادي والمعنوي، عندها فقط أشرقت الشمس في حياتي المظلمة وقضيت العدة الكئيبة وأنا أحلم بأنني سأحقق جميع أحلامي وأحلام ولدي الغالي. وفعلاً فقد كان إرثي طيباً أخذت أنفق الكثير منه على شراء ما تمنيته، واشتريت بيتاً جميلاً وسيارة فارهة وأثاثاً راقياً. والكثير من الذهب والألماس والملابس وكل ما حرمت منه في حياتي الماضية.
بعد أن أشبعت رغباتي الشرائية، أصبح هاجسي هو تعويض نفسي عن الحرمان العاطفي، الذي عشته وانطلقت بأحلامي للبحث عن الرجل الذي سيعوضني عما افتقدته طوال عمري، خصوصاً وأنني في الثلاثين من عمري وأمتلك جمالاً وجاذبية أحسد عليهما تقدم لي الكثيرون ولكنني رفضتهم فقد قررت أن أكون دقيقة في اختياري وحددت شروطاً كثيرة لمن سأرتبط به، وعلى رأس تلك الشروط أن أختاره عن حب وقناعة.
بعد سنة واحدة من وفاة زوجي تعرفت عليه، كان رجلاً رائعاً بكل المقاييس وله شخصية رائعة ويمتلك مركزاً مرموقاً ويتمتع بجاذبية وقدرة على التأثير بكل من يتعرف عليه، إنه بصراحة حلمي الذي بحثت عنه وظل يراودني طوال عمري.
خفق قلبي بمجرد رؤيته، وصرت اختلق الأسباب التي تجعلني التقي به، وتمنيت أن يجد في نفسه ما أجده في نفسي نحوه، وقد تحقق ما أدرت، وأخذ الرجل يتابعني ويهتم بي، واستطاع أن يحصل على رقم هاتفي، وصار يحدثني عن شوقه وإحساسه بأنني المرأة التي انتظرها، وكان يبحث عنها طوال حياته. وأنه لم يشعر بالحب يوماً على الرغم من كونه في الأربعين من العمر. وأنه يعتقد بأن هذا الحب هو نعمة من الله تعالى لكلينا ويجب ألا نضيعها، ثم عرض علي الزواج، ولكن علمت منه بأنه محكوم بظروف قاهرة ويتمنى أن امتلك القدرة على تقدير وفهم تلك الظروف وهي أنه رجل متزوج ولديه بنات وأبناء في مختلف الأعمار من سن الروضة إلى سن الجامعة، وهو يحترم زوجته شريكة عمره التي وقفت إلى جانبه وهي تتحمل مسؤولية تربية أبنائه لذلك فهو يحترمها ويقدرها ولا بريد أن يجرح مشاعرها بزواجه من غيرها، كما لا يريد لأبنائه وبناته أن يعيشوا الإحساس بعدم الاستقرار، وألا تهتز صورة أبيهم إذا عرض حياتهم الأسرية لهزة عنيفة، فهو في نظرهم الأب المخلص المتفاني من أجل أسرته.
اشترط للارتباط بي أن يبقى زواجنا سراً لا يعرفه أحد سوى أخي وبعض المقربين مني. لو أفكر طويلاً لخيبتي وسوء تقديري لأنني كنت عطشى للحب والعاطفة، ولا أنكر أن هذا الرجل قد امتلك قلبي ومشاعري بشكل غير مقدور عليه. لذلك فقد رضيت بعقد هذه الصفقة الخاسرة الأخرى في حياتي، ووافقت على أن نتزوج بشكل غير علني ووافقته على عدم الإنجاب وعدم المطالبة بأية أمور يمكنها أن تعلن هذا الزواج.
تزوجنا وعشت الحب الذي حرمت منه وقد غمرني زوجي بالحب والهدايا والمال والاهتمام، وكل ما كنت احتاجه، وعامل ولدي كابنه تماماً، وكنت في أسعد حال .. ولكن السنين تمر وقد نمت بداخلي الرغبة في إنجاب طفل أحتضنه وأحس بأمومتي معه، فرفض وقال: إن حملت دون علمي فلن أسجل الولد باسمي، ولن أضيف اسمه إلى خلاصة القيد. لأن ذلك قد يفضح مسألة زواجي بك، وأنا قد اشترط عليك ذلك وأنت قبلت.
بدأت أنظر إلى حياتي مع هذا الرجل فوجدت بأنني أعيش معه كخليلة وليست لي حقوق الزوجة، وأنه يرفض أن يخرج معي أو يصحبني إلى الطبيب أو إلى أي جهة حكومية.
لاستخراج أية أوراق. وبقيت بنظر القانون امرأة مطلقة غير متزوجة، لأنه يرفض إدخالي في خلاصة قيده، وعندما يكون معي فإنه وبمجرد أن تتصل به زوجته أو أحد أبنائه فإنه يتركني ويهرول نحوهم متناسياً وجودي، وهو يمنعني من الاتصال به حتى لو تعرضت لمرض أو حادث حتى لا يحرج أمام أسرته أو أصدقائه أو زملاء العمل، حرصاً على عدم علم زوجته بزواجنا، وهو يأتيني كلما سنحت له الظروف بشكل متخف ولا يبقى سوى وقتٍ قصيرٍ ثم ينصرف عني، وهو يردد لا تتصلي بي أرجوك.
أخذ زوجته وسافر إلى لندن لعلاجها وبقي هناك ثلاثة أشهر بدون أن يكلف نفسه مشقة الاتصال بي والاطمئنان علي وكأنني لا أملك أية حقوق عنده، ندمت .. ندمت .. ندمت على هذه الصفقة الخاسرة التي عقدتها وهأنا ذي أعاني من حرمان أكبر، حرمان نفسي وعاطفي مع رجل لا أملك من حياته إلا الظل.
كبر ولدي وأصبح في الثانوية وهو يحس بإحراج كبير عندما يسأله أصحابه من أبناء الجيران عن ذلك الرجل الذي يزورنا بشكل متقطع وهو ماهر بإخفاء سيارته خلف المنزل لئلا يراه أحد. ويكفي وجهه تماماً عند دخوله المنزل وكأنه جاء ليسرق شيئاً. فيرد عليهم بأنه زوج أمي وهو متزوج ولا يريد أن تعلم زوجته بأمر زواجه الثاني. فيجلس الأولاد ليتندروا ويضحكوا على هذا الأمر وهم لا يدرون ما يسببه ذلك من إحراج لهذا المسكين. لقد أصبح معقداً جداً ولا يحب الاختلاط بالناس، وهو يجلس إلى جانبي طوال الوقت يحس بما أعانيه ويتألم لأجلي ويسألني باستمرار لماذا قبلت بهذا الزواج؟ فلا أستطيع أن أرد عليه وأكتفي بترديد هذه العبارة بداخلي ((أمك غبية فقد باعت نفسها مرتين)) (1) .
ـــــــــــــــــ